نبض من غربه الفصل الاول والثاني بقلم دعاء دفيع حصريه وجديده على مدونة القصر الملكي
نبض من غربه الفصل الاول والثاني بقلم دعاء دفيع حصريه وجديده على مدونة القصر الملكي
مين الأخ عايز إيه
فتحت الباب شابة في أوائل العشرينات، لابسة خمار على بنطلون بجامة، وفي إيدها عصاية كأنها كانت بتأدّب بيها الأطفال من شوية.
وقف أمامها شاب وسيم الملامح، في عينيه نظرة هدوء غريبة رغم التعب الواضح عليه.
قال بابتسامة مهذبة:
– أنا لسه مأجر شقة في الدور الخامس، وكنت حابب أسأل عن بصمة الأسانسير والإنتركم، من وين ممكن نجيبهم؟
رفعت حاجبها باستغراب وقالت:
– هو حضرتكوا فلسطينيين؟
ابتسم وقال بفخر بسيط:
– إيوا، إحنا من فلسطين.
تبدلت ملامحها على طول، ووشّها بقى أهدى وابتسمت بلُطف:
– نورتوا مصر والله.
لمحت أمه قاعدة على كرسي متحرك، فوسّعت الباب وقالت بسرعة:
– اتفضلوا استريحوا لحد ما أشوف البصمة الزيادة اللي عندنا.
آدم رفع إيده باعتذار:
– لا والله ما في داعي، بنستنا هون.
لكنها ما استنّتوش، سحبت كرسي الأم المتحرك وقالت بابتسامة تلقائية:
– احنا أهل، مافيش بينا الكلام دا، ادخلوا بيتكم ومطرحكم.
نبض من غربه الفصل الاول والثاني بقلم دعاء دفيع حصريه وجديده على مدونة القصر الملكي
دخلوا الشقة، وقعدوا على الأنتريه.
في الوقت دا كانت شمس اختفت جوا الأوضة، بينما طفلين قاعدين على الكنبة، ساكتين ومربعين إيديهم كأنهم في امتحان مصيري.
آدم حاول يكسر الصمت وقال بلُطف:
– أهلًا يا حلوين، كيفكم؟
ما فيش رد.
ابتسم وسأل:
– ليه ساكتين؟
ردّ واحد منهم بصوت واطي جدًا:
– شششش، ماما شمس لو سمعتنا بنتكلم، هتتحول لغول وتبلعنا!
ضحك آدم وقال ساخرًا:
– واضح إن مامتكم عنيفة .
في اللحظة دي خرجت شمس وهي بتقول:
– أخيرًا لقيته!
وقدّمت له البصمة بابتسامة خفيفة.
أخدها وقال:
– متشكر.
ولما جمع عيلته علشان يمشوا، قالت بسرعة:
– تمشوا إيه بس؟ استنوا تشربوا حاجة.
قال بلُطف:
– والله كفيتي ووفيتي، مرة تانية إن شاء الله.
ولما كان داخل الأسانسير، نادت عليه من ورا الباب:
– بقولك يا كابتن!
التفت مبتسمًا:
– معِك الدكتور آدم.
ردّت وهي بتضحك:
– لو احتجت أي حاجة يا دكتور آدم، ابعتلي حد.
قال بخفة دم:
– ماشي يا أستاذة.
ابتسمت بخفة وقالت:
– اسمي شمس.
---
بعد ساعات، اجتمع آدم مع عيلته بعد ما اطمن عليهم، لكنه كان مخطط يرجع لفلسطين لوحده ليساعد أهل بلده في المستشفى الميداني هناك.
لكن فجأة خبط الباب.
فتحت ياسمين، أخته الصغيرة، وكانت المفاجأة… شمس بنفسها، داخلة بصينية أكل.
– دي حاجة بسيطة تروي عضمكم، قالتها بابتسامة خفيفة وهي بتحط الصواني.
آدم قال وهو بيحاول يرد اللطافة:
– ليه كدا تعبتي حالك؟ إحنا كنا شبعانين.
ردت بلا مبالاة واضحة:
– بالهنا والشفا.
ياسمين قربت منها وقالت بودّ:
– بقولك يا شمس…
نبض من غربه الفصل الاول والثاني بقلم دعاء دفيع حصريه وجديده على مدونة القصر الملكي
– اشجيني يا قلبي، ردّت شمس بخفة دم.
– كنت عايزة أشتري شوية هدوم، زي ما انتي شايفة، طلعنا من الحرب فاضين.
– طبعًا يا حبيبتي، شوفي عايزة تروحي إمتى وأنا بنزل معاكي.
آدم قال بسرعة، وكأنه خايف يسببلها مشقة:
– لا، مالوش لزوم تنزلي، خليكي مع أطفالِك.
تنهدت وقالت وهي تبص بعيد:
– أبوهم هيخرج بيهم النهارده.
قال بهدوء:
– مكنتش عايز أتعبك.
ابتسمت ابتسامة حزينة وقالت:
– لا تعب ولا حاجة، أهو بنتمشى.
نزلوا السوق، واشتروا اللي عايزينه.
لكن وسط الزحمة، فجأة شمس وقعت من طولها.
صرخ آدم باسمها وجري عليها، حاول يفوقها، بس مفيش فايدة.
ما استناش إسعاف، شالها بسرعة وركب تاكسي ووداها المستشفى.
بعد الفحص، خرج الدكتور وقال بجدية:
– البنت دي متعرضة لآثار تعذيب شديدة جدًا، وهبلغ الشرطة بالواقعة.
دخل آدم الأوضة عليها، سألها وهو مذهول:
– مين اللي عامل فيكي هيك يا شمس؟
ما ردتش.
قال بصوت هادي لكن فيه قلق:
– على العموم، الدكتور راح يبلّغ الشرطة، وهنيجوا يحققوا معِك.
انتفضت شمس فجأة، وجريت ناحية الدكتور تصرخ:
– أنت هتبلغ الشرطة ليه!؟
– علشانك، قالها الطبيب بهدوء.
لكنها شالت مشرط من الطاولة وقالت وهي مرعوبة:
– لو بلغت الشرطة، هقـتل نفسي! مالكش دعوة!
دخل آدم بسرعة، سحب منها المشرط بحذر، وحضنها وهو بيهمس:
– خلاص، خلاص، اهدي… محدش هيعمل شي مش بدِك.
انهارت في حضنه وقالت بصوت مبحوح:
– يالا نرجع البيت.
نبض من غربه الفصل الاول والثاني بقلم دعاء دفيع حصريه وجديده على مدونة القصر الملكي
رجعوا البيت، وآدم نام على ضهره في الظلام، أفكاره كلها مشتعلة… الحرب، الشهداء، وطنه، أمه، وشمس.
مين اللي ممكن يعذب بنت بالشكل دا؟
وليه رفضت الشرطة؟
وفجأة سمع صوت صريخ عالي… صوت بنت بتستغيث من الأدوار اللي تحت.
الثاني
صوت صريخ عالي هز العمارة، صوت بنت بتستغيث من الدور اللي تحت شقة آدم.
ياسمين وهي بتفتح عيونها بخوف:
– يا ساتر يا رب! هاد صوت شمس، صح؟
آدم اتجه بسرعة ناحية الباب، قلبه بيرفرف من القلق، وطلع يجري على السلالم، لقى الجيران واقفين في الرُدهة، متجمعين، بس محدش قادر يقرّب.
بدأ يخبط على الباب بقوة، وصوت الصراخ لسه شغال.
أم آدم من فوق وهي بتصرخ:
– يا ابني خلّيك بحالك، إحنا ما بدنا مشاكل مع الناس!
آدم بعصبية وهو بيكمل يخبط:
– كيف يعني يا أمي؟ البنت عم تصرخ من وجعها وأنا أضل ساكت؟!
بدأ يضرب الباب بجسمه بكل قوته لحد ما انكسر، ودخل متصدم من المشهد.
شمس مربوطة على كرسي، ونادر ماسك حزام ونازل فيها جلد كأنه بياخد حق دم، والطفلين متكورين في الركن، بيرتعشوا ويبكوا بخوف.
آدم وهو بيزقه بعنف:
– شو بتعمل يا مجنون؟!
نادر حاول يهجم عليه، بس آدم مسكه ولكمه مرتين بقوة لحد ما وقع على الأرض.
فكّ الحبل عن شمس وقال لياسمين اللي كانت وراه:
– خُديها عالبيت عندنا بسرعة!
نزل آدم بسرعة الصيدلية واشترى أدوية ومرهم، ولما رجع، دخل وهو ماسك الشنطة.
ياسمين بصوت متوتر:
– هو دا جوزك؟ وليه بيعمل فيكِ هيك؟
شمس سكتت ومردتش.
آدم بلهجة حزينة وهو بيحاول يسيطر على نفسه:
– ياسمين، مش وقت كلام... هاي الأدوية، خُدي وادهني إلها على آثار الضرب.
دخلت ياسمين معاها الأوضة، بدأت تداويها بهدوء.
رن الجرس، فتح آدم الباب، لقى الطفلين واقفين وعيونهم حمرا من البكا.
مصطفى وهو بيعيط:
– ماما شمس عندكم؟
آدم انحنى وهو بيمد إيده:
– تعال حبيبي، لا تخاف، الكل بخير.
نبض من غربه الفصل الاول والثاني بقلم دعاء دفيع حصريه وجديده على مدونة القصر الملكي
ضمّهم الاتنين بحنية، ويوسف قال بصوت طفولي مرتجف:
– يا عمّو، خلينا عندك، خالي نادر شرير... ومرة كان هيدبحها بالسكين!
آدم عيونه اتسعت من الصدمة:
– شو؟ ليه بده يعمل هيك؟
مصطفى: علشان بياخد كل الفلوس اللي معانا، وهي مش عايزة تديله... بيقول عليها بخيلة، بس هو بيصرفها على حاجات حرام.
آدم فهم وقتها الحقيقة: نادر مدمن، ومجنون كمان.
قال بهدوء:
– تعالوا، مامتكم جوّا، بدها تشوفكم.
دخلوا عليها، أول ما شافوها ركضوا وباسوا راسها، وهي ضمتهم بحنان ودموعها نازلة.
رن الجرس من جديد، فتح آدم الباب، لقى ضابط واقف.
الضابط:
– الأستاذ آدم المقدسي؟ حضرتك مطلوب في القسم، بتهمة الهجوم والاعتداء على جارك نادر.
ياسمين طلعت بخضة، وشمس وقفت مصدومة، وهم بياخدوه.
---
في القسم:
آدم:
– يا حضرة الضابط، أنا ما اعتديت على حدا، أنا بس سمعت صراخ وكسرت الباب لأنقذها.
الضابط:
– بس الكاميرات بتقول إنك هجمت، والراجل وشه بيتكلم بيقول إن ايدك رشقت فيه.
آدم بحماس:
– يعني بدكوا تحاكموني لأني حاولت أنقذ إنسانة؟!
الضابط:
– الكلام دا صحيح يا شمس؟
بصّ نادر لها بنظرة تهديد واضحة.
شمس وهي بتبلع ريقها وصوتها بيرتعش:
– لا... الأستاذ آدم دخل عندنا من غير إذن، وماكانش في حاجة.
يتبع
