رواية في رحالها قلبي الفصل الأول والثاني والثالث بقلم الكاتبه بقلم الكاتبه آيه العربي حصريه وجديده لمدونتا

رواية في رحالها قلبي الفصل الأول والثاني والثالث بقلم الكاتبه بقلم الكاتبه آيه العربي حصريه وجديده لمدونتا
كاتب مميز

رواية في رحالها قلبي الفصل الأول والثاني والثالث بقلم الكاتبه بقلم الكاتبه آيه العربي حصريه وجديده لمدونتا 





رواية في رحالها قلبي الفصل الأول والثاني والثالث بقلم الكاتبه بقلم الكاتبه آيه العربي حصريه وجديده لمدونتا 


إهداء إلى رفيقة درب مميزة لم تكن معي من البداية ولكن ما إن أصبحت معي حتى اتخذت طريقًا آخر في حياتي أكثر ثباتًا أكثر عزيمة وأكثر ثقة اتمنى دوام صداقتها ( لمياء فتحي )


إذا أعطتك الحياة ما تتمناه بسهولة فاحذر من القادم لإنك إما أن تفقده سريعًا أو يغتالك باسم الحب . 


الحياة لا تعطي شيئًا بسهولة حتى أنك تظنها ظالمة ولكن الظالم هنا هو أنت . 


فالحياة تمنحك المعرفة ، تعطيك دروسًا وتجاربًا وقواعدًا ، تعطيك خبراتٍ ثمنها الألم ، تغذيك بمعرفة الصالح من الفاسد والصاحب من الحاقد . 


تنزع منك السلاح وسط ميدان الحرب وتعطيك العزيمة لتواجه وتظن أنها ظالمة وتظن أن عدوك يمتلك عليك سلطانًا وتنسى أنك جئت الحياة لتصارع نفسك أولًا ثم الشيطان . 


❈-❈-❈


تجلس منذ بضع دقائق تقبض على هذا الاختبار وتطالعه بشرود . 


منذ أن ظهر علامتين باللون الأحمر وعلمت بحملها وهي تخفي سعادتها وراء جدران الخوف والقلق . 


عيناها مثبتة على ما في يدها وتفكر ؛ كيف ستخبره وكيف سيستقبل هذا الخبر وهما المتفقان منذ توقيع العقود على ألا تحمل أبدًا ولكنها نقضت الاتفاق بفعلتها المتعمدة . 


نعم اختارته لثراءه وتنازلت عن حقها في الأمومة ولكنها بعد عامٍ من زواجها حن قلبها لطفلٍ صغيرٍ فهل ارتكبت جريمة ؟ 


تسلحت بالقوة والعزيمة وسحبت شهيقًا قويًا تهيء به نفسها لاستقباله ومن ثم إخباره وليحدث ما يحدث ، يجب أن يعلم بحملها ،،، لتعود مرتطمة إلى أرض الواقع وتتذكر تحذيراته ونظراته .


نعم إنها تخشاه برغم عدم رؤيتها لوجهه الآخر الذي سمعت عنه ولكن يكفيها وجهه الظاهر أمامها .


زفرت كأنها ناجية من الغرق وعاد القلق ينهش فؤادها والضيق يعتليها وتفكر...كيف ستخبره ؟


❈-❈-❈


قُل لصاحبة العيون السوداء أنها سيدتهن ، فبرغم معايير الجمال كلها تبقى هي الملكة بينهن . 

عيناها سوداء كليلٍ حالك  ،  تتدلل فوق حصانها البني الناعم . 

لا أرى منها ظِفرٌ ولا خصلة ولا أعلم ملامحها وبرغم ذلك أنا في هواها متغزل


ترجلت من سيارتها التي اشترتها مؤخرًا من عملها الخاص .


حيث أصبح لديها علامة تجارية خاصة بها في صناعة الشوكولاتة المميزة التي تبدع فيها والتي استطاعت تسويقها بشكلٍ جيد عبر الإنترنت .


كانت محظوظة بهذا العمل فهي منذ سنوات تسعى بجدٍ وتعبٍ إلى أن استطاعت تحقيق حلمًا من أحلامها .


دلفت الإسطبل تتطلع من خلف نقابها على الخيول فهي عاشقة لها لذا زفرت بحماس وتحدثت بنبرة مميزة وبحة هادئة تشع حيوية :


- السلام عليكم ، كيف حالك يا أستاذ «علي» .


نهض «علي» مسرعًا حينما رآها فهو واقعٌ في هواها وحينما تأتي يكون هذا أثمن أوقاته وأسعدها .


تطلع عليها من خلف نقابها وتحدث بنبرة هائمة وعيناه ترسل قلوبًا :


- أهلًا وسهلًا يا آنسة سارة ، كيف حالكِ أنتِ .


أومأت وعيناها تنظر نحو فرستها البنية وابتسمت تقول بحماسٍ بدا في صوتها :


- أنا بخير ، هل يمكن أن تخبرهم بتجهيز رشيدة كي آخذها في جولة ؟


أومأ لها بطاعة وتحدث وهو يتحرك بنفسه وينزع أحد السروج المعلقة ويتقدم من الفرسة قائلًا بسعادة تغمره حينما تأتي معبرًا عن اهتمامه :


- حالًا سأجهزها لكِ أنا ، تفضلي هنا إلى أن انتهي .


جلست على أحد المقاعد تطالعه وهو يعد لها الفرسة بينما من حولهما بناتٍ تتدربن على ركوب الخيل بحذر ، أما هي فابتسمت وتذكرت بدايتها ولكنها الآن باتت محترفة تستطيع التعامل مع فرستها بكل سهولة بل أصبح بينهما صداقة قوية لا تنكسر أبدًا .


وها هو حلمها الثاني يلوح في أفق رأسها وهو شراء هذه الفرسة ولكن لتنتهي أولًا من سداد أقساط سيارتها ثم ستدخر الأموال وتشتريها . 


وعت من شرودها على صوت « علي» وهو يبتسم ويطالعها بعينين ثاقبتين قائلًا : 


- رشيدة جاهزة يا آنسة سارة تفضلي . 


أومأت له وشكرته ونهضت تخطو نحو الفرس تحت أنظاره ثم تمسكت باللجام جيدًا ووضعت قدمها على الدواسة ثم بسهولة ورشاقة صعدت على ظهرها تدلك رقبتها بروية وانحنت تقبلها من أسفل النقاب لتعتدل بعدها وتقوم بفرد لباسها الواسع من حولها فيغطيها ويغطي جزءًا من ظهر الحصان معها وتبدأ في التحرك تحت أنظار علي المتعجب من أمرها خاصةً وإنها تواجه العادات الخاصة بالمجتمع . 


فهي متنقبة وتحب ركوب الخيل وتفعلها بدون أن يظهر لها إصبع متجاهلةً كل الانتقادات السلبية التي تقيدها بل تركض وتنطلق بحرية بات معجبًا بها بعدما كان يفكر كغيره . 


أما هي فانطلقت في رحلتها مع فرستها التي تحمست وأسرعت خطاها حتى باتت تركض بسرعة عالية وعلى ظهرها سارة تضحك بسعادة وقد فردت ذراعيها في الهواء تعانقه بعدما أعطت ثقتها في رشيدتها الغالية . 


❈-❈-❈


ليلًا


توقفت سيارته السوداء أمام باب فيلته . 


ترجل منها بخطواتٍ واثقة ثم أغلق الباب وخطا يفتح الباب الخلفي ثم انتشل عددًا من الأكياس وعلبة كرتونية منمقة واعتدل يغلق الباب ثم التفت متجهًا نحو فيلته . 


يتحرك بثبات وثقل  ،  رجلًا متزنًا لا يشوبه شائبة  ، ملامحه رجولية جذابة وذقنه منحوتة بشموخ ليرفع رأسه ويخطو بجدية متناهية ولكن لم تخلُ عيناه من نظرة غامضة لا يستطيع تفسيرها أي شخصٍ عابر  .


دلف يتجه للأعلى ومنه إلى جناحه ليفتحه ويتقدم من الفراش حيث كانت ممدة عليه تنام لذا زفر ووضع ما أحضره على طاولة جانبية ثم تقدم منها وانحنى يطبع قبلة هادئة على جبينها ثم تحدث بنبرة خافتة : 


- فريدة ، هيا استيقظي . 


تململت في نومها ثم فتحت عينيها تطالعه لثوانٍ ليعود ويهجم عليها خوفها مما تخفيه عنه لذا تشبحت ملامحها بالقلق وخاصةً عينيها حيث كان يحدق بهما كأنه كشف أمرها . 


اعتدل يطالعها بتعجب وتساءل بنبرة هادئة جادة وعيناه تحاول تفسير ما بها : 


- حدث شيئًا أم ماذا ؟ 


تحمحمت واتكأت بيديها تعتدل حتى جلست تجمع خصلاتها المبعثرة في كعكة فوضية بدبوس الشعر ثم تحدثت بتوتر وهي تبعد عيناها عنه وتحاول الترجل : 


- لا حبيبي لا شيء ، فقط تعجبت لأنك دومًا تهاتفني أولًا . 


تعجب من حالتها وأيقن أنها تخفي شيئًا ما عنه ولكنه تجاهل التحقيق في الأمر وزفر يتحدث وهو يعود ليجلس على المقعد من خلفه : 


- حسنًا ، هيا استعدي لأننا سنذهب . 


التفتت بعدما توقفت عن سيرها نحو الحمام تطالعه بعيون متسائلة فتابع وهو يضع ساقًا فوق الأخرى ويشير برأسه نحو مشترياته : 


- هنا يوجد ثوبًا أنيقًا أريدك أن ترتديه وستجدين لوازمه معه ، هناك موعد عشاء مع بعض الشركاء وكلٍ منهم سيأتي وزوجته معه . 


زفرت بقوة لثوانٍ ، فقد تخيلت نفسها ترفض عرضه وتخبره بحملها ولكنها حقًا لا تمتلك القوة لأخذ هذا القرار لذا أومأت تقول نبرة واهنة : 


- حسنًا . 


قالتها وتحركت نحو الحمام وتركته يجلس يطالع أثرها بشرود ، كلما غاب عنها عدة أيام في سفره يعود ويجدها على حالة جديدة ولكن حالتها الآن وعدم فرحتها بعودته يؤكدان له أن هناك شيئًا تخفيه ولن يكون سيف الدويري إن لم يعرفه ولكن لينتهي هذا العشاء أولًا . 


❈-❈-❈


كانت تقف في مطبخها الذي خصصته لعملها تعد قوالب الشوكولاتة بعدة أطعمة مختلفة . 


تردد أذكارًا طوال عملها الذي تعمله بحبٍ واستمتاع . 


أمامها مسند معدني تعلق به هاتفها وتسجل هذه اللحظات في تسجيل مرئي كي تعدها بعد ذلك وتقوم بتحميلها على صفحاتها عبر مواقع التواصل . 


تحمد الله دومًا على ما وصلت إليه في هذا المجال ، فهي تحب الطهي وخاصة صناعة الحلوى وتعشق إضافة لمسات خاصة بها وحدها . 


أصبحت معروفة في هذا المجال وكثُر محبينها خاصة وأنها تلتزم بالاحتشام وتشغيل آيات القرآن مع مقاطعها . 


وبالرغم من وجود تعليقات سلبية محبطة عن كونها فتاة منقبة ولا يجب أن يصدح صوتها أو لا يجوز لها ركوب الخيل وغيرها من الأحكام المتعصبة حيث تشارك أيضًا بعض فيديوهاتها أثناء ركوب الخيل إلا أنها استطاعت تجاهل هذا الأمر بعد تدريبات نفسية تستعملها لكي تقوي وتعزز من ثقتها بنفسها وبدينها . 


وتساعدها في ذلك والدتها الغالية التي هي أكبر داعمٍ لها . 


فبعدما توفى والدها منذ عامين وقد دلفت في نوبة اكتئاب مفتقدة إياه كثيرًا ، لقد كان حنونًا عليها بالقدر الذي لم ترَ مثله أبدًا . 


ولكن والدتها ساعدتها على تخطى حالتها برغم حزنهما الواضح إلا أنهما كانتا عونًا لبعضهما ومعهما بالطبع .... فريدة ! 


انتهت من صنع الشوكولاتة ومدت يدها توقف التسجيل لذا زفرت بقوة وأسرعت تنزع نقابها وملابسها وتضع يديها على جانبيها تتكئ يمينًا ويسارًا ثم تعود للخلف بظهرها كي تساعد جسدها على الاسترخاء بعدما تيبست عضلاتها من كثرة المجهود .


وهنا ظهرت ملامحها الجميلة ، فاتنة بملامح شرقية وعينان سوداء كالليل ووجهٍ مستدير ببشرة خمرية ناعمة وملامح تتناسق مع وجهها بفتنة جعلتها مليحة بحق بينما جسدها كان يشع أنوثة تخفيه بملابسها الفضفاضة . 


جاءت والدتها تربت على ظهرها بحنان وتحدثت وهي تتطلع إلى الفوضى التي تعم المكان من خلف الكاميرا : 


- هيا يا حبيبتي اذهبي للراحة ودعيني أنهي الأعمال المتبقية . 


هزت رأسها رفضًا وقالت وهي تبدأ في جمع الأغراض المتسخة : 


- لا يا أمي اذهبي أنتِ وتمددي على سريركِ وسأنتهي سريعًا وآتي إليكِ . 


لم تطعها بل تحدثت بتصميم وهي تتجه نحو غسالة الأطباق وتفتحها وتبدأ في رص الأواني بها : 


- وأنا التي ستقول حاضر ؟ ، هيا يا بنت اسمعي كلمتي ولا تتعبي قلبي وإلا قمت بضربكِ بهذه المكنسة . 


قالتها بعدما اعتدلت تشير إلى المكنسة الخشبية لتبتسم سارة وهي تناولها باقي الأغراض قائلة بمرحٍ : 


- تفعلينها يا حاجة سعاد مثلما ركضتي خلفي أمس بالمنفضة ، لا أعلم ما المميز في أدوات التنظيف لتعتبريها أدوات تعذيب لي ، أين أدوات الزمن الجميل كالخف وخرطوم المياه . 


تنهدت تتابع بملامح تمثيلية كأنها تتحسر على ماضٍ بعيد : 


- إيييييه ، ليت الشباب يعود يومًا . 


انتشلت سعاد قطعة قماش من فوق الرخامة وكورتها تلقيها عليها وتردف ضاحكة بتوبيخ مرح : 


- أي شباب يا ابنة بطني أنتِ لم تتجاوزي الخامسة والعشرين بعد . 


ضحكت سارة وهي تميل حتى لا تصيبها القطعة ثم اعتدلت ترقص حاجبيها لوالدتها وتردف باستفزاز ظاهري يشوبه المرح والاستمتاع : 


- نعم أنا عجوز وظهري عمره ستون عامًا بينما ساقاي تجاوزا السبعون وعن عضلات رقبتي فهي الآن في سن اليأس ولكن قلبي ما زال شبابًا يا أمي لا تقلقي . 


برغم المرح في صوتها إلا أن والدتها نظرت لها بغيظ حقيقي وتحدثت موبخة بخوفٍ : 


- حقًا ، حسنًا كيف أنا إذا يا عجوز ؟ ، لا تجعليني أقسم ألا تعودي للطهي مرةً أخرى . 


قهقهت سارة حينما وجدت نبرة والدتها تأخذ منحنى جدي لذا أسرعت تتجه إليها وتعانقها عنوةً قائلة بحبٍ ومشاكسة : 


- كل ما يهمكِ هو سنكِ يا سعادة ولكن اطمأني من يراكِ يظنكِ ابنتي ، حسنًا حسنًا أنا فقط أمزح معكِ ، تعلمين أن الطهي وصنع الحلويات هو العمل الذي لا يمكنني الاستغناء عنه . 


ربتت سعاد على ظهرها وباتت تبادلها العناق ثم ابتعدت تنظر لها بروية وتقول بقلب أمٍ منفطر : 


- أعلم يا قلب أمكِ ولكن أراكِ تجهدين نفسكِ ، منذ أن أنهيتِ جامعتكِ وأنتِ لا ترتاحين ، وأنا أم وأريد أن يطمئن قلبي عليكِ . 


إلى هنا وأيقنت أن الحديث يأخذ منحنى عاطفي تميل له معظم الأمهات وأكدت لها والدتها هذا حينما تابعت بترقب : 


- ألن تفتحي قلبكِ للحب أبدًا يا سارة ؟ . 


نظرت سارة لوالدتها بعينين تترجياها ألا تبدأ في نفس الحديث ثم تحدثت بتروٍ : 


- أمي حبيبتي ، هل أنا وجدت الشخص المناسب ورفضت ؟ ، إنه النصيب يا سعادة فدعيه يأتي وقتما يريد ، أم هل أصبح وجودي معكِ ثقيلًا . 


تحولت نظرة سعاد من الحب إلى الغضب وأسرعت تصفعها على كتفها بغيظ مرددة : 


- هذا ما تجيدينه ، كلما فتحت معكِ موضوع الزواج والحب ترددين ( هل أصبح وجودي معكِ ثقيلًا ) . 


قالتها ساخرة عليها لتضحك سارة وتعود لوالدتها مقبلة وجنتها بحب ثم ابتعدت تزفر قائلة بصدقٍ وروية : 


- حسنًا أمي أعدكِ إن جائني شابٌ ابن حلال يكون ملتزمًا ويصلي وطولًا بعرضٍ حينها سأفكر ، وإن كان وسيمًا ستعلو نسبة موافقتي ، وإن كان غنيًا ستكون النسبة مليون في المئة . 


وهنا أسرعت سعاد ترفع كفيها وتدعي بمَ قالته سارة مرددة أمامها : 


- يارب يا سارة يرزقكِ بزوجٍ حنونٍ ملتزم يحبك وتحبيه ويكن طولًا بعرضٍ ووسيمًا وغنيًا . 


- آميـــــــــــــن . 


رددتها سارة خلفها وهي ترفع كفيها وتبتسم بمرح وسعادة ثم بدأتا في إنهاء العمل سويًا ولكن تساءلت سعاد بترقب وهي تضع الأغراض في الثلاجة : 


- هل فريدة تهاتفكِ يا سارة ؟ 


توترت سارة ورفعت نظرهت إلى والدتها التي تعلم جيدًا أنها لا تود أن تسمع عن أي خلاف بينها وبين فريدة لذا تنهدت تجيب بمراوغة وهي تخفي عيناها عنها : 


- نعم أمي نتحدث ولكن منذ يومين لم تهاتفني ، ربمَا انشغلت بعودة زوجها . 


تعلم سعاد أنها تراوغ لذا عادت تواجهها وتردف بنبرة مترجية : 


- سارة حبيبتي ، أراكِ تبتعدين عن شقيقتكِ ، تعلمين أن فريدة عصبية وربمَا تنطق بمَ لا تقصده ولكنها تحبكِ كثيرًا ، لا تقطعي علاقتكِ بها يا سارة هي ليس لها سوانا في هذه الدنيا . 


تنفست سارة بقوة وتحدثت موضحة بهدوء : 


- يا أمي ألا ترين أن فريدة منذ زواجها بذلك الرجل وهي تبتعد عني ؟ ، ألا تلاحظين أن ذلك الرجل غامضًا وحوله هالة مخيفة ؟ ، أنا إلى الآن لا أعلم كيف تزوجت به ؟ ، بين ليلة وضحاها وجدتها تخبرني بالزواج منه ؟ ، فريدة يا أمي تلك التي أحببتها كما لو كانت شقيقتي الفعلية وفضلتها على نفسي باتت تعاملني كالغرباء ، كلما تقربت لها ذراعًا ابتعدت هي عني أميالًا . 


تعلم أن ابنتها محقة ، تعلم جيدًا أن فريدة برغم كل الحنان الذي غمروه بها إلا أنها ترى نفسها غريبة بينهم . 


ولم لا وهي قد أتت لتعيش بينهم بعدما مات والدها ووصى صديقه والد سارة بالاعتناء بها وتربت مع ابنته خاصةً وأنها فقدت والدتها أيضًا بعد صراعٍ مع قلبٍ مريض . 


ليأخذها والد سارة ابنة الاثنا عشر عامًا ويربيها مع ابنته كما لو كانت من صلبه حقًا ، لم يميز سارة عنها ظاهريًا وكذلك سعاد لم تشعرها بالدونية يومًا . 


وحتى سارة التي كانت تصغرها بعامين ولكنها تعلقت بها بل أحبتها كثيرًا واتخذتها شقيقة وصديقة وكذلك فعلت فريدة ولكنها دومًا كانت تعاني من الاستنتاجات الخاطئة والشك الذي جعلها تبدو حزينة دومًا . 


تنهدت سعاد وتحدثت مجددًا بتعقل ليقينها أن سارة تحمل عقلًا واعيًا وقلبًا حنونًا قائلة : 


- أعلم يا حبيبتي ، أعلم أنها تبتعد ولهذا أوصيكِ بها ، بالرغم من أنكِ تصغيرنها سنًا إلا أنكِ الأكثر وعيًا عنها ، هي تحتاجكِ حتى وإن أنكرت ، وبالنسبة لزوجها لا تهتمي بشأنه يكفينا أن يعاملها جيدًا وأن نسمع أنها سعيدة معه . 


تعمقت سارة في والدتها وحديثها ثم أومأت مبتسمة وتحدثت بنبرة مطمئنة : 


- حسنًا يا سعادة أنتِ تأمرين ، في الغد سأمر عليها وآراها تلك الدرامية المملة ، ولكن إن عاملتني بجفاء أقسم سأنتف خصلاتها الصفراء التي تتباهى بها واحدة تلو الأخرى . 


ابتسمت سعاد وانشرح فؤادها وأومأت مؤيدة تردد : 


- نعم افعليها إن استطعتِ . 


❈-❈-❈


انتهت من تجهيز نفسها ووقفت تطالع هيئتها في المرآة . 


جمالها ملفتٌ للأنظار ببشرة بيضاء ووجهٍ نحيف وعينان رمادية ورثتهما عن والدتها . 


ملست على حجابها الذي أظهر بعض الخصلات لتشعر بالضيق من نفسها فهي لم تكن تظهر خصلاتها ولكنها هكذا تبدو أكثر جمالًا وهذا ما تريده  . 


زفرت بقوة ووضعت كفها على قلبها النابض بعنف يحثها على إخباره قبل المغادرة فلم تكن بحالة جيدة وهي تخفي عنه هذا الأمر . 


حسنًا ربمَا تبالغ وخوفها يقودها إلى سيناريوهات ليس لها أساسًا ولا صحة . 


ربمَا يفرح بهذا الخبر خاصةً وأنه يتيمًا مثلها ومن المؤكد سيشتاق للأطفال . 


انتفضت على صوته الذي أخرجها من شرودها وهو يقول متسائلًا بعدما انتهى من ارتداء ثيابه : 


- فريدة ؟ 


التفتت تطالعه بعيون مذعورة ليتعجب وتتجلى على ملامحه عدة تساؤلات نسبةً لحالتها منذ أن عاد وتحدث وهو يتقدم منها حتى توقف أمامها وعيناه تتجول على ملامحها : 


- ما بكِ . 


ظلت تحدق به لثوانٍ فعاد يتساءل بملامح أكثر صرامة وتابع مسترسلًا : 


- أحدثكِ يا فريدة ، ماذا بكِ ؟ 


حاولت سحب نفسًا قويًا كأن الأوكسجين تبخر من حولها ثم التفتت تتحرك نحو الكومود ومالت تفتح درجه الأول وتخرج منه اختبار الحمل بيدٍ مرتعشة ثم عادت إليه ووقفت أمامه تمد يدها له بصمتٍ تام وتتابع عيناه التي تحركت للأسفل ليرى ما بيدها . 


ثواني مرت عليها لم تسمع صوتًا في الغرفة سوى أنفاسها المتلاحقة كأنها تفر هاربة . 


أما هو فثبت عينه على الجهاز ، يطالعه بسكون تام ثم رفع نظره عنها فحبست أنفاسها خاصةً حينما رأت نظرته . 


نظرة حادة دبت الخوف في جسدها لينطق مكملًا عليها بنبرة هامسة متسائلًا : 


- ما هذا ؟ 


- أنا حامل . 


وكأن لسانها تولى أمرها وأراد أن يريحها من هذا الخوف لينطق بها دون مقدمات . 


استقبل الخبر بصمتٍ كأنه لم يسمعه ثم أطرق رأسه لثوانٍ يفكر ويفكر قبل أن يرفع رأسه مجددًا ويرسم على وجهه ابتسامة ونظرة أخافتاها بل حبستا أنفاسها وقال بقسوة تعمدها : 


- سأعتبر أنها غلطة قمتِ بها ولكن لا بأس يمكننا إصلاحها ، سنذهب أنا وأنتِ صباحًا لنتخلص من هذا الحمل . 

الفصل الثاني 


لا أحد يدرك معاناة امرأة وحيدة هشة تمتاز بالكتمان . 

فالجميع بات لا يفهم سوا بالبوح عما بك لغة الصمت تحتاج لرفيق روح ربما لم تحظَ به في دنياك ولكن من نعيم الدنيا هي مناجاة الخالق وهذا أعظم الحظوظ  . 


استيقظت بفزع بمجرد أن لمسها وهذا يدل على خوفها  . 


منذ أمس وهي لم تغفُ إلا من حوالي ساعةٍ واحدةٍ بعد تفكير أرهق ذهنها  . 


أخبرها بكل قسوة أنهما سيتخلصان من هذا الحمل ومن ثم رافقها وغادرا إلى العشاء الذي مر دون أن تشعر به  . 


كانت حاضرةً  بجسدها فقط ولكن عقلها يفكر فيما قاله  . 


عليها ألا توافق  ،  عليها أن تعترض ولكن كيف وهي التي قبلت بهذا الشرط منذ البداية  ؟ 


حسنًا لتحاول إقناعه  ،  ستحاول معه وتستعطفه ربما حنّ وتقبل الاحتفاظ بهذا الحمل  . 


طالعته بعيون مذعورة كقطة خائفة وتحدثت بتحشرج متسائلة  : 


- ماذا هناك  ؟ 


ملس بكفه على خصلاتها لتتناقض لمسته تناقضًا تامًا مع نبرته حينما قال بنظرات مبهمة  : 


- هيا استيقظي أمامنا عملًا هامًا  . 


تشبحت ملامحها بالذعر الذي تلاشى تدريجيًا واتخذ الغضب مكانه حينما أردفت بنبرة عالية نسبيًا وهي تنهض جالسة وتطالعه بنظرة تحمل ثباتًا ظاهريًا : 


-  لا أريد  ،  لا أريد إجهاضه  ،  أنا أرغب في الاحتفاظ به  . 


اعتدل يطالعها بنظرة ثاقبة ثم هز كتفيه ومط شفتيه يقول بهدوء وعينه مسلطة عليها  : 


- للأسف هذا الاحتمال ليس واردًا يا فريدة  ، أنتِ أخطأتِ واتخذتِ بمفردكِ قرارًا كنا قد أنهيناه مسبقًا  ،  ولهذا يجب أن تصلحي هذا الخطأ  ،  هيا سأكون في انتظاركِ في الأسفل  . 


تحرك بعدها بخطواتٍ رتيبة وهدوء أصابها في مقتل وغادر وتركها تجلس تطالع أثره بغيظ  . 


لا يمكن أن تجهضه بعدما حصلت عليه  ،  هذا الحمل سيبقى حتى وإن  ...  انفصلا  ؟ 


ولكن حقًا هل تستطيع الانفصال عنه  ؟  ،  هل تستطيع العودة للعيش مع سعاد وسارة خاصةً بعدما توفى ذلك الرجل الحنون والذي كان هو الخيط الوحيد المتبقي لها من بين كل معارفها  ؟ 


تعترف أن سعاد تعاملها بحبٍ ولكن بالطبع ليس كابنتها سارة  ،  لا إراديًا تشعر بينهما بالغربة خاصةً بعد موته وتخشى العودة لهما حتى لا تشعر بأنها حملٌ عليهما  . 


لذا فقد سعت بكل وسائلها لتصل إلى عقل سيف الدويري ونجحت في جذب انتباهه لها ومن ثم استقطابه لخطبتها خاصة بعدما علم أنها يتيمة .. مثله تمامًا  . 


كان زواجًا رسميًا قائمًا على عدة شروط أهمها عدم الإنجاب ولم تمانع بل وافقت دون حتى أن تسأله عن السبب فقط كل ما أرادته هو حياة الثراء والابتعاد عن الحياة التي تعيشها بين سعاد وسارة  . 


بعد دقائق ترجلت للأسفل بملابس نومها لتجده يجلس يرتشف قهوته التي أعدها لنفسه كما يرغب  . 


ما إن رآها كما هي حتى توقف عن ارتشاف قهوته وتمعن فيها بصمتٍ كان كفيلًا بشرح كل ما يجول في عقله لذا فركت كفيها بتوتر واتجهت تجلس أمامه ثم تحدثت بنبرة مستعطفة  : 


- دعنا نتحدث ربما أقنعتك يا سيف  ،  لمَ لا يكون لدينا طفلًا صغيرًا  ؟  ،  تخيل معي فقط  ،  أنت لا عائلة لك وأنا كذلك وسيكون هذا الصغير هو عائلتنا  ،  الأمر حقًا يستحق التفكير  . 


وجدته صامتًا فقط يطالعها ولا تستطيع تفسير ما يفكر به لذا أطرقت وتابعت معترفة  : 


- نعم أعلم أن شرط زواجنا هو عدم الإنجاب  ،  وأعلم أنني وافقت على ذلك ولكنني أشعر بالملل يا سيف كلما سافرت وتركتني هنا  ،  أشعر بالملل وأنت طوال اليوم في عملك حتى وإن سافرت معك أيضًا  ،  وأنت ترفض عودتي للعمل لمجرد فقد واجهتك الرسمية  . 


قالتها بنزق ثم تنهدت تتطلع إليه منتظرة حديثه ولكنه عاد يتناول قدح القهوة ويرتشف منه ببرودٍ وصمتٍ جعلها تحتد وتردف موبخة  : 


- لا تصمت هكذا وتحدث معي أنا لست مختلة عقليًا كي تتجاهل حديثي  . 


ظل كما هو لم يحرك ساكنًا وهو يراها أمامه تجاهد ألا تغضب أكثر لعلمها بالعواقب جيدًا لذا حاولت مجددًا التحدث بنبرة أقل حدة  : 


- سيف أرجوك قُل شيئًا  ،  لا تجبرني على إجهاضه أرجوك  . 


ترك القدح ونهض يغلق زر حُلته ثم طالعها لثوانٍ مرت عليها كسنين ثم أخيرًا تحدث كأنه لم يسمعها قط  : 


- تأخرنا فريدة وأنتِ هنا تجلسين تثرثرين في أمورٍ تافهة  ،  اصعدي للأعلى وبدلي ثيابكِ سريعًا فأنا لدي أعمالًا متراكمةً  . 


تحرك نحو باب الفيلًا قاصدًا فتحه ولكنها في لحظة تهور واندفاع حملت قدح القهوة وصوبته تجاهه ترميه بقوة قاصدة أن يصيبه ولكنه أصاب الباب فسقط متهشمًا تزامنًا مع رنين الجرس  . 


لأول مرة تتجلى الدهشة على ملامحه وهو ينظر لقطع القدح المتهشم  بذهول  ، هل كادت أن ترطمه  ؟   ،  هل جنت هذه  ؟ 


ليتجاهل رنين الجرس ويلتفت يطالعها بعيون حادة وتحدث بصقيع يغلف نبرته وقلبه  : 


- هل جننتِ يا فريدة  ؟  ،  هل تختبرين صبري عليكِ  ؟ 


كانت قد وقفت أمامه تزفر وتشهق وصدرها يعلو ويهبط بعنف ثم تكتفت وقالت بنبرة محذرة  : 


- أخبرتك ألا تتجاهلني هكذا  . 


نطقتها صارخة لتتعالى الطرقات على باب الفيلا لذا التفت يتقدم بخطوات ثابتة ويفتحه ليجد أمامه سارة تطالعه بعيون متسائلة من أسفل نقابها  . 


حدق بها لثوانٍ ثم أفسح لها المجال فعبرت تنظر نحو الزجاج المتهشم بتوتر وقامت برفع نظراتها إلى فريدة لتجدها في حالة فوضى وغضب لذا أسرعت تتجه نحوها وتساءلت بنبرة حنونة مغلفة بالدعم والثبات  : 


- ما بكِ فريدة  ؟  ،  هل أنتِ بخير  . 


لم تكن تريدها أن تأتي وتراها في هذا الحال  ،  لم يكن هذا من ضمن أمنياتها لذا لم تجبها بل ظلت صامتة تنظر نحو سيف الذي التفت يحدق بها وينتظر إجابتها على سارة التي طالعته بغيظ فهي لم تشعر بالراحة تجاهه يومًا لذا تساءلت من بين أسنانها   : 


- هل يمكن أن تشرح لي ما بها أختي  ؟ 


وضع كفيه في جيبيه ثم تحدث ببرود وجلافة  : 


- لا دخل لكِ  . 


برغم وضعها في موقف حرج إلا أنها لم تعترف بذلك وتحدثت بشموخ يصاحبه دعمًا لشقيقتها وبرغم عدم تهورها في الكلام إلا أن هذا الماثل يستحق التهور لذا قالت   : 


- هل ظننتها وحيدة لتفعل بها ما تريد ؟  ،  اسمع يا سيف يا دويري منذ البداية وأنا قلبي لم يرتح لك ولكنني قلت لتكن سعادة أختي فوق كل الاعتبارات ولكن أنا لم أعد أرى سعادتها هذه  ، لم أعد أرى ضحكاتها ولا عفويتها  ، أنت أفسدت كل شيء  .


وقف يطالعها بذهول وهو يراها تتحدث من خلف نقابها دون خوفٍ أو قيود لينظر نحو فريدة منتظرًا ردها على حديث شقيقتها  .


وبالرغم من أن فريدة تجد سارة محقة في كل ما قالته  ، بل ويمكنها مساعدتها إلا أنها لا تريدها أن تتدخل في حياتها  ، تريدها أن تبتعد عن طريقه لذا قالت بنبرة جدية وهي تنظر نحو سارة  :


- سارة أنتِ تبالغين كثيرًا  ، فقط أنا وسيف كنا نتناقش ولكنني المخطئة لم يكن هناك داعٍ لما فعلته  .


نظرت بعدها نحو سيف وتعمقت فيه وقالت بنبرة تحمل تصميمًا خفيًا فهمه  :


- اذهب أنت يا سيف أنا لن أذهب إلى هناك  ، سأظل هنا مع سارة  .


أومأ لها مرارًا ثم رمى نظرة عابرة على هذه الجريئة وتحرك بعدها يغادر بصمتٍ ويغلق الباب خلفه أما هي فالتفتت نحو فريدة بعدما باغتتها بنظرة حادة تعبر بها عن شكها فيه ورفعت نقابها تزفر وتتساءل بترقب  :


- فريدة أنت تكذبين  ، أخبريني ماذا فعل لكِ  ، أقسم سأساعدكِ  .


تنهدت فريدة تطالعها بتمعن ثم شردت لثوانٍ فيها هل تخبرها حقًا  ، هل تقص لها ما حدث  ؟، ولكن لا لن تخبرها بالاتفاق القائم بينهما لذا تحدثت بمراوغة وهي تجلس وتشرح بيديها  :


- كنت أريد العودة للعمل ولكنه يرفض  ، مهما حاولت إقناعه يخبرني بغيرته وحبه لذا فلم أشعر بنفسي إلا وأنا أرطم القدح أرضًا  .


صدقتها سارة لذا اتجهت تجاورها وتربت على كفها بحنانٍ لم يزد فريدة إلا شعورًا بالذنب نحوها ولكنها لا تعلم لما باتت تبتعد عنها عمدًا  ، زفرت وقالت بتروٍ  :


- حسنًا إن كان الأمر كذلك فيمكن أن يكون محقًا  ، أنتِ الآن زوجة مالك الشركة فكيف تريدين العودة للعمل كموظفة  ،  أما عن غيرته فأرى أن لا داعي لها  . 


احتدت ملامح فريدة وبصقت الكلمات دون وعي  : 


- لمَ لا داعي لها  ؟    ألا استحق حبه وغيرته  ؟


فرغ فاهُ سارة وتحدثت معبرة عن مقصدها  :


- لا بالطبع لم أقصد ذلك  ، فقط لأنكِ لن تفعلي أمورًا تثير غيرته وأراه بالأساس يطلب منكِ حضور الحفلات والعزومات وأنتِ في كامل أناقتكِ لذا أرى أنه يبالغ  . 


بالرغم من يقينها أنها محقة إلا أن هذا مالا تريده لذا زفرت وتحدثت بنبرة تحمل غموضًا وتناقضًا وملامحها متجهمة : 


- نعم هو كذلك  ،  حتى أنه طلب مني أن أتخلى عن حجابي حبًا في خصلاتي ولكنني بالطبع رفضت  . 


قطبت جبينها وحدقت بها باستفهام وتعجب ثم تساءلت بمَ ورد على عقلها  : 


- كيف يطلب طلبًا كهذا  ؟  ،  وتقولين أنه يغار  !  ،  كيف يغار عليكِ ويطلب منكِ التخلي عن حجابكِ  !  ،  كيف يفكر هذا المعتوه  ؟ 


ابتسمت فريدة أخيرًا وهزت كتفيها تردف بجهلٍ خبيث  : 


- حقًا لا أعلم  ،  شخصيته بها تناقضات غريبة ومخيفة  . 


- ولماذا تزوجتيه إذا يا فريدة  ؟  ،  وكيف حدث ذلك فجأةً  ؟  ،  إلى الآن لا أعلم وحقًا أتساءل  . 


أطرقت فريدة رأسها ولم تجبها لتقترب سارة منها وتتمسك بكفيها متابعة بحنان  : 


- فريدة أخبريني ما بكِ  ،  تبتعدين عني منذ وفاة بابا وبدون أي مقدمات تخبريني أنكِ ستتزوجين من مديركِ في العمل ولم يمر أسبوعًا إلا وأجدكما بالفعل زوجان ومن ثم بدأتي في الابتعاد عني ولم تعودي تأتي إلا نادرًا  ، أخبريني ما بكِ ليطمئن قلبي  .


هي بالأساس لا تعلم ما بها  ، كل ما يسيطر عليها استنتاجات خاطئة من عقلها الباطن وما زالت تعيش بها لذا فهي تعاني من انعدام الثقة والشك المفرط  .


مسكينة هذا الفريدة  ، حقًا مسكينة فمن ذا الذي يجد يدًا ناعمة وسندًا حقيقيًا وصديقة تتجسد في أختٍ ولا يسرقها لنفسه  ، تستطيع أن تثق تمامًا في سارة والأخرى تستطيع مساعدها ولكنها تأبى  .


زفرت فريدة وقد ضاق صدرها لذا تحدثت بمراوغة وهي تقف لتنهي هذا الحديث  :


- لا يوجد أي شيء يا سارة  ، تقولين عني درامية وأراكِ أنتِ المملة حقًا  ، أنا بخيرٍ تمامًا  ، وما جمعني مع سيف هو الحب  ، الحب فقط  .


تنهدت سارة وأومأت لها بينما تابعت فريدة وهي تحثها على الوقوف وتتمسك بكفها تسحبها خلفها نحو المطبخ قائلة  : 


- دعك من الحديث وتعالي نعد بعض الأكلات  ،  اشتقت لطعامكِ يا سارة  . 


ضحكت سارة وتحركت معها قائلة وهي تلقي نظرة على الزجاج  : 


- حسنًا ولكن أولًا دعيني أجمع قطع هذا القدح المسكين يبدو قدحًا فرنسيًا أصليًا  ،  انظري كيف تهشم كالسكر  . 


ابتسمت فريدة عليها ووقفت عند حافة المطبخ تردف وهي تنظر نحو الزجاج  : 


- نعم أنه كذلك  . 


هزت سارة رأسها على شقيقتها بقلة حيلة وتحدثت معنفة بهدوء  : 


- أنتِ مفترية كعادتك  ،  أنسيتِ الأكواب خاصتي التي كنتِ تكسرينها لي  . 


- ألم تنسِ أبدًا  ؟ 


تساءلت بها فريدة وهي تتكتف لتباغتها سارة بنظرة عدائية ظاهريًا وتردف باستنكار ملوحةً بيدها  : 


- نعم  ؟  أنسى  ؟  ،  أنا أتعامل مع أغراضي كأنهم أولادي  ،  هل تنسى الأم ضناها يا صاحبة القلب المتحجر  ؟ 


عاد حمل فريدة يحتل رأسها مع جملة شقيقتها ولكنها زفرت بقوة وتحدثت بهدوء ومراوغة  : 


- حسنًا هيا تعالي لنحضر الطعام وسأشتري لكِ بديل ما كسرته  والخادمة ستأتي الآن وتنظف الأرض . 


شوحت سارة بيدها قائلة بملامح حانقةٍ  : 


- لا يا قلب أختك أنا لا أقبل العوض  ،  ثم أنني أشتريت غيرهم لا بأس  ،  هيا هيا لنبدأ  . 


❈-❈-❈


بعد يومين 


لم يعد للمنزل وتجاهل اتصالاتها وتركها هكذا تعاني من كثرة الأفكار والتساؤلات  . 


حتى أنها لا تستطيع اللجوء لأحدٍ أو مشاركته ما بها  . 


كل ما فعلته كي تتخطى هذه الحالة هو التنزه بسيارتها في عدة أماكن علّ الهواء الطلق يريحها ولكنها لم تذق طعم الراحة إلا حينما يعود ويتحدث معها  . 


حسنًا إن خيرها بالانفصال أو الإجهاض فستختار مجبرةً الإجهاض  . 


هي لن تستطيع الانفصال عنه  ،  هي أحبته  ، نعم أحبته وباتت لا تريد سوى قربه وليته يحبها كما تحبه  . 


تعلم جيدًا أنه لا يحبها وترى ذلك في عينيه ،  كل ما يفعله هو معاملة هادئة وطلباتٍ مجابة ولمساتٍ حنونة ولكنه يظل غامضًا لم يفتح قلبه لها  . 


أما هي فأحبته  ،  هو مثلها  ،  فقد عائلته منذ زمن ولولا ثراءهم لكان الآن متشردًا ضعيفًا ولكنه صارع من أجل البقاء والسلطة والقوة  . 


نعم على الصعيد المهني فهو ناجحًا بمهارة لذا فهو كان دومًا فتى أحلامها والآن بات زوجها و...  حبيبها فلمَ لا يصبح والد طفلها إذًا  . 


تحسست رحمها بشرود وتنهدت ثم أجفلت حينما استمعت إلى صوت سيارته  لذا أسرعت تنهض وتتجه نحو المرآة تطالع هيئتها وتقيمها برضا ثم التقطت زجاجة العطر ونثرت حولها الكثير منها ثم وضعتها وسحبت نفسًا قويًا ثم تحركت نحو الأسفل لتستقبله  . 


ما إن دلف من الباب حتى أسرعت تركض نحوه وتعانقه فزفر ثم بادلها العناق بهدوء وربت على ظهرها يقول بنبرة رخيمة  : 


- كيف حالكِ  . 


هزت رأسها وملأت الدموع مقلتيها وهي تجيبه بنبرة مختنقة  : 


- لست بخير يا سيف  ،  لست بخير أبدًا  ،  تركتني هنا منذ يومين ولم ُتجِب على اتصالاتي حتى  ،  لم تفعل بي هذا ؟ . 


زفر بحرارة ثم ابتعد عنها قليلًا ينظر لوجهها بدقة وما إن لاحظ ذبولها ودموعها حتى رفع إبهاميه يجففهم ثم تحدث بنبرة لينة  : 


- حسنًا كان يجب أن أفكر جيدًا مع نفسي  . 


ترقبت عينيه بدقة ثم تساءلت بأملٍ ينتعش داخلها  : 


- حسنًا وإيلام وصلت  ؟ 


تحدث بعد تنهيدة قوية وهو يهز رأسه  : 


- لا أستطيع يا فريدة  ،  حاولت أن أفعلها من أجلكِ ولكن حقًا لا أستطيع أن أعطي هذا الطفل اسمي  . 


انهارت كل آمالها التي لم تشيّد بعد وظلت تحدق به فأسرع يحاوط ذراعيها ويتابع بثقب  : 


- لا تجعلي هذا الأمر يطول  ،  دعينا ننهيه قبل أن يكبر  ، حجزت لكِ موعدً عند طبيب موثوق  ، سأذهب إلى الشركة الآن وليلًا سأصطحبكِ إليه  . 


ابتعدت خطوة للخلف وتحررت من بين يديه ثم تصنمت لثوانٍ قبل أن تقول بجمودٍ أصابها   : 


- حسنًا  ، سأفعل ما تريده  . 


التفتت بعدها وأطلقت العنان لقدميها لتأخذاها ركضًا للأعلى تحت أنظاره الثاقبة وهو يفكر أن هذا هو القرار الصائب  . 


❈-❈-❈


تجلس على سريرها بعد عملٍ شاقٍ تتمسك بهاتفها وتتابع التعليقات وترد عليهما بلطافة وأما عن التعليقات السلبية فتحذفها وتحظر صاحبها  . 


برغم الضيق الذي ينتابها من قراءة مثل هذه الانتقادات اللاذعة إلا أنها باتت تعلم كيف تتجاوز الأمر  . 


خاصة وهي ترى نفسها تخطو في الطريق الصحيح وكل من ينتقد لا يرى سوى عيوبًا في عقله فقط ويفسر برأسه المربع فقط  . 


مادامت ترضي ربها وتلتزم بأخلاقها فلن تبالي بأحدٍ  . 


لاحظت تعليقًا مميزًا عن غيره وكان من ( علي ) الذي دوّن  


( رائعة دومًا ومميزة  ،  أراكِ ملكة بأخلاقكِ والتزامكِ  ،  لا تهتمي بالحديث السام للبعض ودعي الكلاب تعوي والقافلة تسير  )  . 


ابتسمت على هذا العلي وتعليقه وباتت في حيرة من الرد عليه خاصةً وأنها مراقبة وهناك من ينتظر لها أي خطأ لذا وضعت فقط قلبًا على كلماته وأكملت قراءة التعليقات على الفيديو الذي توضح فيه طريقة عمل مجموعة مميزة من صوصات الشوكولاتة الخاصة بها  . 


رن هاتفها برقم فريدة فتعجبت تعقد ما بين حاجبيها ثم اعتدلت في جلستها وأجابت بترقب  : 


- فريدة  ؟  ،  كيف حالكِ  ؟ 


استمعت إلى صوتها الباكي وتحدثت باحتياج  : 


- سارة  ،  أ  أ  أنا حامل  ،  هل يمكنكِ أن تأتي  ؟ 


تملك الذهول جسد سارة وتحدثت بنبرة فرحة  : 


- حامل  ؟  ،  أنتِ حامل يا فريدة  ؟  حسنًا حسنًا سآتي في الحال  . 


- ولكن لا تخبري أمي بشيء  . 


قالتها فريدة بتحشرج فتعجبت سارة ولكنها أومأت تردف  : 


- حسنًا حبيبتي  ،  هيا أغلقي ومسافة الطريق سأكون عندكِ  . 


أغلقت وأسرعت للخارج لتخبر والدتها برغبتها في الذهاب إلى فريدة دون الإفصاح عن الحمل  . 


أما فريدة فبعد أن أغلقت وألقت الهاتف على الفراش بإهمال بينما وجهها غارقًا في الدموع حيث ظلت تفكر وتفكر ووجدت أنها لا تستطيع التخلي عنه مهما حدث لذا فقررت بعد صراعٍ مع نفسها أن تلجأ إلى سارة لتساعدها علها ترشدها ماذا تفعل وكيف تقنع زوجها فبرغم عدم تقبلها لدخول سارة في تفاصيل حياتها مع سيف إلا أن طفلها يستحق أن تخترق القواعد  . 


❈-❈-❈


بعد وقتٍ ترجلت سارة من سيارتها واتجهت إلى الفيلا تطرق بابها لتفتح لها فريدة وبدون مقدمات ألقت نفسها في عناق سارة فلم تعد تحتمل  . 


كلها عدة ساعات فقط وسيأتي ليصطحبها إلى الطبيب كما قال  . 


عانقتها سارة بسعادة تحولت إلى صدمة حينما وجدتها تجهش في البكاء لذا حاولت تهدئتها وقالت بتروٍ وهي تربت على ظهرها  : 


- ما بكِ يا فريدة  ؟  ،  لم تبكين  ؟ 


ابتعدت عنها فريدة تطالعها بملامح باهتة ثم سحبتها معها للداخل وأغلقت الباب واتجهتا تجلسان على الأريكة لتبدأ فريدة في إخبارها بحقيقة الأمر قبل أن تتراجع عن قرارها قائلة  : 


- سارة أرجوكِ افعلي شيئًا ولا تسأليني عن أسبابٍ أو تلقي علي باللوم  ،  فقط جدي لي حلًا  . 


قطبت سارة جبينها بعدم فهم فتابعت فريدة بتحشرج واندفاع  : 


- سيف يريدني أن أجهض الجنين وأنا لا أريد ذلك  .


ذهولًا أصابها حيث تدلى فكها تطالعها بتعجب وتحدثت جاحظة  :


- ماذا  ؟    ، هل جُن هذا الرجل أم ماذا  ؟


زفرت فريدة وأسرعت توضح بجزءٍ من الحقيقة والكثير من الكذب  :


- حسنًا نحن اتفقنا على ألا أحمل في الوقت الراهن وأن نأخذ هذا القرار سويًا ولكنني خالفت الاتفاق  ،  أعلم أنني أخطأت ولكن لا أريد أن أجهض طفلي  ،  إفعلي شيئًا يا سارة أرجوكِ  . 


أي خللٍ هذا الذي تتفوه به شقيقتها  ،  كانت تعلم أن هناك أمرًا مريبًا في هذا الزواج وها هي ترى النتائج أمامها ولكنها قررت ألا تسأل كما طلبت فريدة لذا قالت بتروٍ  : 


- حسنًا اهدئي تمامًا وسنجد حلًا ولن يحدث سوى ما تريدينه  . 


أومأت فريدة تتمسك بكفيها وكأنها غريقًا يتعلق بقشة نجاته ثم قالت بنبرة مترجية  : 


- ولكن إياكِ يا سارة أن تطلبي مني الابتعاد عن سيف  . 


لم تكن ستفعل ولكن طلب فريدة أثار تعجبها لذا تساءلت  : 


- ماذا  ؟  ،  تبتعدين عنه وأنتِ تحملين طفله  ؟  ،  من المؤكد لن أفعل يا فريدة ولكن دعينا نجد حلًا  . 


عادت تنظر أمامها وتتابع تفكر بصوتٍ عالٍ  : 


- حسنًا هو لا يريد أطفالًا الآن وهذا كان اتفاقًا بينكما وأنتِ خالفتيه وهو طلب أن تجهضي طفلكِ  . 


لم تحتمل لذا عادت تنظر إلى شقيقتها وتحدثت بحدة وتوبيخ  : 


- هذا مختل عقليًا  ،  كيف يفكر هل يظنه عقد عمل ؟ ،  هناك طفلًا ينمو داخلكِ منه وعليه أن يتحمل مسؤوليته  . 


هبت واقفة بعد أن فارت الدماء في جسدها وتحدثت وهي تنظر إلى فريدة  : 


- اجلسي هنا ولا تتحركي إلى أي مكان يا فريدة.،  لن يستطيع إجباركِ على شيء وإن فعل سنلجأ للقانون  ،  هل يظن أنكِ وحيدة  ؟ 


تحركت فأوقفتها فريدة تردف متسائلة بشكٍ  : 


- توقفي يا سارة إلى أين ستذهبين  ؟ 


التفتت لها وتحدثت بثبات وغضب وهي تخفض نقابها  : 


- سأبحث عن كبيرٍ لذلك المختل  ، يجب أن يقف عند حده  .


تحركت تغادر وارتدت فريدة على المقعد تفكر بقلق  ، تخشى عواقب فعلتها ولكنها لا تستطيع التخلي عن حملها  ، ليس بعد شعورها بشيءٍ ينمو داخلها  .


أما سارة فقد استقلت سيارتها وانطلقت مغادرة إلى شركته لترى لم يفعل هذا بشقيقتها ولتوضح له أن هذا زواجًا قائمًا على المودة والرحمة فإما أن تحصل على حقها في الأمومة أو يطلق سراحها  . 


الفصل الثالث 


يقال أن الرجل يلتفت إذا رأى جمالًا ولكنه يتعجب إذا رأى اختلافًا وعفةً وينجذب إذا رأى غموضًا وخجلًا

ويقترب إذا رأى عفوية وطيبة ويميل إذا رأى لينًا وحنانًا

ويتعلق إذا رأى قبولًا ويخضع إذا رأى صدقًا 

ويحب إذا رأى ذكاءًا ويعشق إذا ابتسمت له كما لم تبتسم لأحدٍ من قبل 

ويهيم بها عشقًا إذا استطاعت إضحاكه 

ولكنه لا يبقى إلا إذا وجد سلامًا  . 


❈-❈-❈


توقفت بسيارتها أمام شركته وترجلت بعدما أدت تمارين ضبط النفس كي تهدأ وتستطيع محاورته  . 


دلفت من باب الشركة ووقفت تخبر الموظفة عن هويتها لترفع الأخرى الهاتف وتتحدث لثوانٍ ثم نظرت لها بهدوء وقالت : 


- تفضلي اصعدي إلى الطابق الخامس  ، مديرة مكتب السيد سيف في انتظاركِ . 


أومأت لها سارة وتحركت نحو المصعد بخطواتٍ واثقة وهي تعلم جيدًا كيف ستقنعه  . 


بعد قليلٍ وصلت واتجهت نحو مكتبه بعدما سألت أحدهم ثم دلفت تطالع مديرة مكتبه قائلة بهدوء  : 


- السلام عليكم  ،  أنا سارة المهدي جئت لمقابلة السيد سيف  . 


رفعت الموظفة رأسها تطالعها بثقب وتعجب من نقابها ثم تحدثت برسمية وهي تشير نحو المقعد  : 


- تفضلي هنا إلى أن يخرج العميل من الداخل  . 


أومأت سارة وجلست تنتظر خروج العميل كما أخبرتها هذه الفتاة التي اندمجت في عملها بعد ذلك  . 


❈-❈-❈


مرت الدقائق وبدأت سارة تشعر بالضيق لذا زفرت بحنق وتساءلت بعدما نظرت في ساعة يدها  : 


- لو سمحتِ هل سيتأخر ذلك العميل في الداخل  ؟ 


نظرت لها الموظفة بتعالٍ وهزت كتفيها تردف ببرود  : 


- لا أعلم  . 


تنهدت سارة تلف وجهها عنها حتى لا توبخها ثم بدأت تفكر وتمارس تمارين ضبط النفس إلى أن يخرج ذلك العميل المزعوم  . 


دقائق أخرى حتى قاربت سارة على النهوض والرحيل ليرن هاتف السكرتيرة فرفعته تجيب لثانيتين ثم أغلقت ونظرت إلى سارة تردف وتشير نحو المكتب  : 


- تفضلي السيد سيف في انتظاركِ  . 


قطبت جبينها بتعجب فالعميل المزعوم لم يغادر الغرفة ولكن ربمَا ما زال في الداخل لذا نهضت تتجه نحو المكتب وطرقت الباب بخفة فسمح لها لذا دلفت تتطلع حولها بعيون ثاقبة تبحث عن أي شخصٍ سواه فلم تجد لذا باغتته بنظرة غضب لمحها خاصةً وأنه تعمد تركها في الخارج وهذا ما أدركته الآن   ،  كاد أن يبتسم عليها ولكنه أتقن ارتداء قناع البرود وهو يشير نحو المقعد  : 


- تفضلي آنسة سارة  ،  ما سبب هذه الزيارة يا ترى؟  . 


تمالكت نفسها بصعوبة وقررت تجاهل قلة ذوقه معها وإلا فستوبخه وتغادر ولن تتحدث عن الأمر الذي جاءت من أجله لذا زفرت بقوة واتجهت تجلس على المقعد الذي لم يشير إليه في تحدٍ مغلفٍ منها ورفعت أنظارها تطالعه بغيظ تخفيه خلف عينين سوداويتين ثاقبتين قائلة بدون مقدمات  : 


- أختي تريد أن تحتفظ بجنينها  ،  وأنا جئت إليك كي أخبرك ألا تجبرها على إجهاضه  . 


- وإلا  ؟ 


قالها بعد ثانيتين تجاوز فيهما تعجبه من تدخلها في هذا الأمر الخاص إلا أنه كان سريع البديهة وتساءل بالعواقب التي تجهزها له هذه المسكينة  . 


ولكنه مخطئ هي لم تكن يومًا مسكينة لذا سلطت أنظارها عليه تردف بتحدٍ صريح  : 


- لا يوجد وإلا  ،  لأنه بالأساس أنت لن ترفض  ،  ستقبل بهذا الحمل  . 


تجلى الاندهاش على ملامحه وبات يريد معرفة مصدر هذه الثقة التي تتحدث بها لذا تساءل ساخرًا  : 


- هل جئتِ بعرضٍ كريمٍ لهذه الدرجة  ؟   


تحدثت بتريث وهدوءٍ وتعقل  : 


- نعم  ،  معي عرض لك  ،  ما رأيك أن تكن إنسانًا مسؤولًا تسجد لله شكرًا على نعمته التي يتمناها غيرك ويشتاق لها الكثير ،  ما رأيك أن تحمده على نعمة أنت لا تعلم قيمتها بعد  ؟  ،  ما رأيك ألا تألف النعمة كي لا تزول منك  ؟ 


تعمق في عينيها بصمتٍ باحثًا عن إجابة داخله فلم يجد لذا أطرق رأسه وسريعًا عاد يطالعها ويردف بنبرة هجومية كي يخفي تأثره  : 


- ألا ترين يا آنسة سارة أنكِ تتدخلين فيمَ لا يعنيكِ  ،  هذا الأمر خاصًا بي وبفريدة وحتى لو كنتِ شقيقتها هذا لا يعطي لكِ حق التدخل  . 


أومأت له تردف بثباتٍ كأنها تتوقع كلماته وجهزت الإجابة  : 


- نعم أعلم أن لا دخل لي  ،  ولكن هذا كان قبل أن تشاركني شقيقتي معاناتها وتطلب مني المساعدة  ،  وهذا يعني أنك تجبرها وتضعها تحت ضغطٍ ستحاسب عليه  ،  أنت تزوجتها بعقدِ زواج أقسمت فيه أن تعاملها معاملة حسنة وألا تحزنها  . 


للمرة الثانية يعجز عن مجابهتها بينما هي تنفست تتابع  : 


- أعلم أن بينكما اتفاقًا معينًا ولكن هذا لا يعفيك من الذنب فيمَا تود فعله  . 


زفر بقوة وقرر أن يتحدث بجدية بعدما كان ينوي الاستهزاء بها ولكنه اكتشف أن حجتها قوية وهذا عكس ما سمعه عنها لذا اعتدل في جلسته يتحدث بروية  : 


- أنظري أنا لم أخدع فريدة  ،  هذا كان شرط زواجنا وهي وافقت به وما أوله شرط آخره نور  ،  أليس كذلك  ؟  


طالعته بصمتٍ لعلمها أن شقيقتها أخطأت حينما قبلت بينما هو يتابع بنبرة رخيمة  : 


- أنا لست مستعدًا أن أصبح أبًا  ،  أعلم أنها نعمة وأعلم جيدًا أنها منة من الله ولكن يعلم الله أن لدي أسبابي الخاصة  ،  ولا تنسي أن شقيقتكِ وافقت ووعدت بألا تفعل . 


نعم هي تدرك خطأ شقيقتها الفادح لذا تنهدت تبحث عن حلٍ سريعٍ وتقول بهدوء  : 


- حسنًا لننظر للأمور بشكلٍ مختلف  ،  شقيقتي أخطأت ولكنها تحبك وأنت تحبها  ،  مهما كانت أسبابك ولكن وقع الأمر الخارج حدود إرادتكما لذا فيجب عليك أن تتقبل وألا تفعل شيئًا ربما بدى لك طبيعًا ولكن كن على يقين أنك مستقبلًا ستندم عليه  . 


بدأ يظهر عليه الضيق وأطرق رأسه يتنفس لذا نهضت تردف بنبرة هادئة قبل أن تغادر  : 


- حسنًا في النهاية هو قرارك فكر جيدًا  ،  فكر بمنظورٍ مختلفٍ عن أسبابك الخاصة ربمَا وجدت الحل  ، وأتمنى منك أن تكون مسؤولًا ولا تجبرها على فعل شيءٍ لا تريده   . 


تحركت بعدها تغادر وتركته يفكر  ،  يفكر في حديثها ثم يفكر من منظورٍ مختلفٍ عن أسبابه كما قالت هذه ال  ...  مختلفة  ؟ 


❈-❈-❈


مساءًا  . 


تجلس فريدة بتوترٍ ملحوظٍ خاصةً بعدما أخبرتها سارة بمَ حدث وغادرت منذ قليل  . 


لم تكن تريد أن تتدخل سارة في الأمر ولكن حدث ما حدث ولم يعد لإلقاء اللوم فائدة  . 


يكفيها أن يتركها تحتفظ بصغيرها وليته يقتنع  . 


وحوش القلق والترقب تهاجمها وهي تنتظره خاصةً وأنه لا يجيب على اتصالاتها  . 


دقائق مرت حتى سمعت صوته من الأسفل فنهضت تفكر هل تنزل له أم تنتظره هنا  . 


لم يدم تفكيرها طويلًا حيث قررت انتظاره كما هي ولكنها أسرعت كالعادة نحو المرآة لترى هيئتها قبل أن يصعد  . 


دقيقة أخرى مرت حتى وجدته يقف أمامها حيث ألقى السلام وبدأ يخلع ثيابه فانتعش داخلها الأمل مجددًا حيث لم يذكر موضوع الإجهاض  . 


تحركت نحوه وطالعته بتوتر ثم تحدثت وهي تفرك كفيها ببعضهما  : 


- سيف هل أنت غاضب مني  ؟ 


تجرد من ملابس عمله واعتدل يطالعها لثوانٍ كانت كفيلة لكتم أنفاسها وأخيرًا نطق بنبرة هادئة  : 


- نعم فريدة  ،  غاضبٌ منكِ ولكن هذا لا يعني أنني سأتعامل معكِ بنبلٍ خاصةً مع وضعكِ هذا  . 


تعجبت وضيقت عيناها تطالعه باستفهام فتحدث بنبرة جادة  : 


- أنا فكرت وسأترككِ تحتفظين بالحمل  ،  ومن بعد الآن سينقلب الوضع  ،  فبدلًا عن إجهاضه دعيني أخبركِ أمرًا  . 


انحنى عند أذنها وهمس بنبرة خافتة ولكنها تحمل تهديدًا أرعبها بالرغم من أنها لن تفعل  : 


- إياكِ أن يصيبه أذى  ،  إياكِ أن تغادري من المنزل بدوني  ،  وإياكِ يا فريدة مرة أخرى أن تطلعي الغير على أسرارنا مثلما فعلتِ اليوم  . 


ابتعد عنها فوجد وجهها شاحبًا تمامًا حتى أنها لم تسعد بخبر بقاء جنينها ليبتسم كأنه شخصًا آخر ورفع يداه تربتان على وجنتها بخفة ثم تابع بنبرة حنونة تناقض تمامًا ما يقوله  : 


- لا تجعليني أتعامل معكِ بالطريقة التي ستكرهينني فيها  . 


قالها وسحب رأسها يقبل جبينها ثم تركها وتحرك نحو الحمام ووقفت تحدق بأثره وتعيد حديثه في عقلها  ،  هي لن تؤذي جنينها ولكن وقع كلماته على قلبها مخيفًا   .


غموضه وعدم فهمها لشخصيته يجعلانها تخشاه بالقدر الذي جعلها لم تعد تشعر بمذاق السعادة . 


❈-❈-❈


بعد شهرين 


انتهت سارة من جولتها مع فرستها وترجلت من فوق ظهرها تدلك رقبتها كشكرٍ لها على هذه السعادة ثم تحركت تودع علي الذي أوقفها قائلًا  : 


- آنسة سارة ثانية لو سمحتِ  . 


توقفت سارة وتساءلت بعينيها ثم نطقت بهدوء  : 


- نعم يا علي  ،  هل هناك أمرٌ ما  ؟ 


تحمحم علي ولا يعلم لمَ هاجمه التوتر الآن ولكنها فرصته وإلا فقدها فهي لن تسمح بلقاءٍ خارجي بينهما لذا تحدث بنبرة متخبطة من شدة توتره  : 


- كـ  كنت أريد زيارتكم أنا ووالدتي   . 


تجمدت لثوانٍ في مكانها تطالعه ببلاهة كأنها لم تفهم ثم أُنير عقلها وأدركت مقصده لذا أخفضت بصرها بتوتر وتلعثمت متعجبة من حالتها ومن هذا الموقف برمته ثم قالت قبل أن تغادر  :


- حسنًا سأبلغ أمي وأخبرك  . 


غادرت بعدها ولأول مرة لا تعلم هل جوابها كان صحيحًا أم كان يجب عليها أن ترفض  . 


علي  ؟  ،  علي نفسه صاحب هذا المكان ومالك هذه الخيول يريد طلب يدها  ؟ 


حسنًا ربمَا هي تعامله برسمية ومعاملة رسمت لها حدود صريحة ولكن على ما يبدو أن الأمر مختلفًا تمامًا بالنسبة له  . 


الآن فقط صدقت حدسها حينما كانت تقرأ تعليقاته وتشك  ،  وحينما كانت تلاحظ نظراته وترفض التصديق  ،  الآن فقط باتت شبه متأكدة من أنه  ...  يحبها  ؟ 


غادرت بسيارتها وقبل أن تعود للبيت قررت الذهاب إلى فريدة لتراها وتشاركها ما حدث فهي باتت مشتتة حائرة ينبض قلبها بصخب ولكن ليس فرحًا وإنما توترًا  . 


❈-❈-❈


كانت فريدة في هذا الوقت تلج من حمامها بعدما أفرغت مافي معدتها  . 


الآن تعيش شهور الوحم المتعبة وما يزيد تعبها أن سيف أصبح جديًا تمامًا معها  . 


في ظاهر الأمر هو يعاملها معاملة حسنة ويعطيها الدواء والغذاء ولكنه أيضًا أصبح غامضًا أكثر  ،  أصبح منشغلًا عنها أكثر  ،  أصبح جادًا معها أكثر وهذا مالا تتحمله  . 


الآن أدركت لما هددها بسلامة الجنين  ،  لأنه يعلم أنها ستندم على هذا الحمل وهذا بالفعل ما يحدث الآن معها  . 


هي نادمة على اتخاذها هذا القرار دون الرجوع إليه أولًا  . 


كان عليها أن تحاول إقناعه قبل وضعه أمام الأمر الواقع فهي تعلم أنه يكره القرارات الطرفية  . 


وتعلم أيضًا أنه يكره تدخل الغرباء فيمَ بينهما خاصةً عائلتها وهذا أيضًا كان من ضمن الشروط التي وافقت هي عليها ونقضتها حينما أدخلت سارة في الأمر  . 


في نهاية الأمر وبعدما خططت لتنتشل السعادة من هذه الأيام وجدت أنها لم تزد حزنها إلا حزنًا جديدًا عليها  . 


لقد تزوجت بـ سيف لينتشلها من الحياة الروتينية التي كانت تعيشها إلى حياة الثراء والبذخ ولكن يبدو أن المال وحده لا يصنع السعادة  . 


أجفلت حينما رن جرس الباب لتتجه بخطواتٍ متمهلة تفتح الباب حيث وجدت سارة أمامها  . 


وقفت تطالعها بعيون مرهقة بينما لاحظت سارة ذبول ملامحها واصفرار بشرتها لذا تساءلت بقلق وهي تدلف   : 


- ما بكِ يا فريدة  ؟  ،  هل أنتِ بخير  . 


أومأت فريدة وتحدثت بابتسامة باهتة وهي تتحرك معها نحو الأريكة  : 


- نعم سارة بخير لا تقلقي  ،  هي فقط شهور الوحم المقرفة  . 


رفعت سارة نقابها ثم تحدثت بروية   : 


- أجل حبيبتي  ،  إن شاء الله تمر ويقر الله عينيكِ بصغيرك وهو في صحةٍ جيدة  . 


- آمين  . 


تحمحمت سارة ونظرت إلى فريدة تردف بترقب  : 


- فريدة حدث معي شيئًا أريد أن أخبركِ به  . 


ترقبت فريدة السمع فتابعت سارة بتوتر ووجهٍ تشبح بالحمرة  : 


- تعلمين أنني أذهب لركوب الخيل ،  وهناك يتعامل معي صاحب المكان بنفسه  ،  بعد أن بدأت التعامل معه بفترة قليلة لاحظت أنه يتعامل معي هو  ، نعم أحيانًا أتعجب خاصة وأنني أرى الكثير من الفتيات يتعامل معهن العمال لديه ولكن برغم ذلك قذفت تلك الأفكار من رأسي وتعاملت بتجاهل  . 


أومأت فريدة تحثها على المزيد فتابعت سارة  : 


- اليوم هو أخبرني برغبته في زيارتنا  ،  ينوي التقدم لي  . 


انفرجت ملامح فريدة وتجلت الدهشة عليها وهي تتمسك بكفي سارة وتردف بفرحة واضحة  : 


- هذا جيد جدًا يا سارة  ،  يبدو أنه يحبكِ  ،  وماذا أخبرتيه  ؟ 


توترت سارة مجددًا لا تعلم السبب وتحدثت تميل برأسها  : 


- لا شيء  ،  قلت له سأخبر أمي وأبلغه  ،  ولكنني متوترة وخائفة  . 


شجعتها فريدة بعدما زال وهنها وتحدثت بنبرة حماسية  : 


- لما الخوف يا جبانة  ، يبدو أنه رجلٌ نبيل لم يركِ أبدًا وبرغم ذلك أحبكِ ويريد الارتباط بكِ  ،  هيا على الفور اتصلي على أمي وأخبريها لنحدد موعدًا ونخبره  . 


تعجبت سارة من حماس شقيقتها وتحدثت بنبرة هادئة  : 


- اهدئي يا فريدة ما بكِ  ،  أراكِ متحمسة أكثر مني  ،  أقول لكِ أنا لا أعلم عنه أي شيء  . 


تحدثت فريدة بنبرة تبريرية متساهلة  : 


- وما فائدة الخطبة إذًا يا نابغة عصركِ  ؟  ،  لكي تتعرفان وتتحدثان وتدرسان بعضكما  ،  هيا سارة هاتفي أمي  . 


قالتها فريدة تحثها على الإسراع وحينما وجدت سارة ساكنة متوترة دست يدها في جيب سروالها وأخرجت هاتفها تقول وهي تعبث به  : 


- حسنًا دعيني أحدثها أنا  . 


حاولت سارة منعها ولكن تصميم فريدة وفرحتها كانا جديدين عليها وثوانٍ حتى فتحت سعاد الخط تردف بحنان  : 


- فريدة ابنتي كيف حالك يا قلب أمكِ  . 


تجاهلت فريدة سؤال سعاد وتحدثت بحماس  : 


- أمي اسمعيني  ،  هناك أحدهم طلب من سارة أن تأخذ موعدًا منكِ كي يأتي ويطلبها  ،  هيا حددي لنا موعدًا وسارة الآن بجانبي  . 


نظرت لها سارة بلومٍ بينما تعجبت سعاد مما سمعته وتساءلت بترقب  : 


- من هذا ؟  ،  ولمَ لا تخبرني سارة بنفسها  . 


كانت نية سعاد بريئة من شك فريدة الذي جعلها تحبط وتتجهم ملامحها ثم أطرقت تقول بهدوء بعدما فقدت حماسها  : 


- لا أمي أنا فقط أردت أن أبشركِ  ،  حسنًا سارة معكِ الآن تحدثي إليها  . 


أسرعت تناول الهاتف إلى سارة التي لاحظت تغيّر حالتها المزاجية لذا زفرت وتحدثت إلى سعاد بنبرة هادئة ومتوترة في آنٍ واحد  : 


- نعم أمي  ،  الأمر فقط أن ذلك الشاب صاحب الخيول وجدته يخبرني اليوم بعدما انتهيت من الركض أنا ورشيدة بأنه يريد أن يحضر والدته ويقومان بزيارتنا  ،  وأنا جئت إلى فريدة كي أتحدث معها بشأنه  ،  تعلمين أن هذه الأمور توترني  . 


نظرت فريدة إلى سارة وهي تتحدث وشعرت بالغيرة الخفية داخلها  ،  دومًا هي مندفعة في قراراتها بينما الأخرى هادئة تستطيع إقناع من أمامها برويتها وتعقلها  . 


ابتلعت فريدة لعابها وسحبت إحدى الوسائد تضعها بين يديها وتنظر نحو سارة بشرود بينما الأخرى تستمع إلى حديث والدتها وعيناها منكبة على وجه فريدة الذي بدأ يتجهم  . 


❈-❈-❈


بعد يومين 


وبعدما تم تحديد الموعد  . 


ها هما سعاد وسارة تساعدان بعضهما في تنظيف المنزل  . 


تساءلت سعاد بتوتر ممزوجٍ بالفرحة  : 


- سارة هل أعددتي الشوكولاتة والكيك  ؟ 


تعجبت سارة تنظر لوالدتها باندهاش وتقول  : 


- ما بكِ يا سعادة هذه رابع مرة تسألينني عن الشوكولاتا والكيك  ؟  ،  أراكِ متوترة أكثر مني  ،  ماذا ستفعلين ليلة زفافي إذا ؟. 


تجمعت الدموع في عيني سعاد لذا رفعت يدها تلوح في الهواء أمام عينيها لتزفر بقوة وتقول بنبرة حنونة وقلبٍ منفطر  : 


-  أوه يا إلهي سأبكي  ،  لا أعلم حقًا ماذا سأفعل يوم زفافكِ ولكنني سأفرح بالتأكيد  ،  حسنًا سأفرح وأحزن أيضًا  . 


هاجمتها الدموع بضراوة فبكت سعاد لذا أسرعت سارة تخطو إليها وتعانقها عنوةً بقوة ثم تحدثت بنبرة مرحة كي تخرجها من حالتها  : 


- حسنًا يا سعادة ما رأيكِ أن نجعلها خطبة أبدية  ؟  ،  أنا بالأساس لا أود الابتعاد عنكِ  ،  من هذا علي ليأخذني منكِ  ،  أنا فقط سأستدرجه لأسرق منه رشيدة ثم سآخذكِ وآخذها ونهاجر دون رجعة  . 


صفعتها على كتفها كالعادة وهي تبتعد ثم قرصتها من أذنها تردف موبخة بمرحٍ استطاعت سارة جلبه  : 


- رشيدة من والناس نيام  ؟  ،  الرجل سيعطيكِ قلبه وأنتِ ستتلاعبين به وبخيوله ؟ ،  يا إلهي صبرني على هذه الابنة اللعوبة  . 


دلكت سارة أذنها وقالت بملامح منكمشة   : 


- ما بها يدكِ يا ست الكل أصبحت ثقيلة هكذا  ،  نحن نمزح فقط  ،  ولكن الحق علي أقف هنا أثرثر معكِ وأترك التحضيرات والعريس ووالدته شارفا على الوصول  . 


تحدثت سعاد وهي تضع التحف مكانها بدقة  : 


- نعم  ،  وأيضًا فريدة وسيف على وصول  . 


تجمدت سارة ونظرت لوالدتها بصدمة متساءلة  : 


- فريدة وسيف  ؟  ،  لمَ سيف يا أمي  ؟   ،  هل هو من بقية عائلتنا  ؟ 


التفتت سعاد تطالعها بحدة وقالت بجدية وثبات  : 


- نعم هو أصبح كذلك  ،  زوج شقيقتكِ وسيصبح والد طفلها وأيضًا أنا لا أعرف سواه  ،  يجب أن يكون بيننا رجلًا  ،  هل أحضر رجلًا من الشارع وأترك زوج شقيقتكِ  . 


زفرت سارة بضيق ولكنها لم تعترض بل أومأت وتحدثت بهدوء يحمل ضيقًا بعدما تعكر صفوها  : 


- حسنًا سعادة كما تريدين  . 


❈-❈-❈


في سيارة سيف 


يقود متجهًا هو وزوجته إلى منزل سعاد  . 


تجاوره شاردة حيث باتت تشعر بثقل وضيقٍ يعتلي صدرها وباتت نبضاتها غير منتظمة  . 


وبرغم حملها إلا أن وزنها ضعيفًا كما هي بل ازدادت شحوبًا فوق شحوبها  . 


دومًا تبغض الأطباء ولولا حملها ومتابعتها لما ذهبت للطبيب النسائي  . 


لاحظ سيف صمتها وشرودها لذا تساءل بعدما ألقى عليها نظرة  : 


- ما بكِ فريدة  ؟ 


انتبهت له لذا التفتت تطالعه ثم اعتدلت تتحدث بهدوء  : 


- لا شيء  ،  أنا بخير  . 


مط شفتيه ثم طرأ على عقله سؤالًٍا ما لذا تحدث قائلاً  : 


- هل ذلك الشخص موثوقٌ فيه ؟ 


- تقصد من  ؟ 


تساءلت فريدة بتعجب فتابع وعيناه على الطريق  : 


- أقصد هذا العريس  ،  هل سألتُن عنه  ؟  ،  أم سيأخذ الصبية هكذا دون سؤالٍ أو جواب  . 


تملكها الغضب والغيرة معًا لذا تحدثت بتجهم  : 


- ولم تهتم  ؟  ،  هو بالأساس صديق سارة وهي تعرفه جيدًا  . 


- صديقها  ؟ 


ضيق عيناه متسائلًا بتعجب فتابعت فريدة بغيظ  : 


- نعم صديقها  ، تعرفه منذ عامٍ تقريبًا وتذهب عنده دومًا لركوب الخيل  . 


مط شفتيه متعجبًا من تصريحات فريدة التي تؤكد له أن ملابس سارة ونقابها ما هي إلا واجهة للجذب فقط  . 


وهنا طرأ على عقله سؤالًا آخر فسأله مستفهمًا  : 


- وهل رآها من قبل  ؟ 


التفتت تطالعه لثوانٍ وقد اشتعل قلبها لذا عاد ضميرها ينهشها وقالت بهدوء تخفي بين طياته صراعًا نفسيًا  : 


- رآها أو لم يرها لا أعلم  . 


- كيف هذا يا فريدة  ؟  ،  بالفعل يجب أن يكون قد رآها ليطلب يدها  . 


نطقها عن قناعة  ،  فقناعاته أن جمال الملامح هي الخطوة الأولى لاستقطاب أي رجل لذا تحدثت بضيق خاصةً وأنها تعلم جيدًا أن هذا ما جذبه لها  : 


- حسنًا سارة ملامحها عادية  ،  لذا أعتقد أنه أحبها حقًا سواءً كان رآها أم لا  . 


أومأ مرارًا وتكرارًا وأكمل قيادته بتساؤلات  ،  كيف يكون الحب  ؟  ،  وكيف للإنسان أن يقع في حب شخصٍ لم يره  ، وكيف للرجل أن يعشق امرأة ملامحها  ...  عادية  ؟  .

يتبع



إرسال تعليق

الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.
تم اكتشاف AdBlock!
لقد اكتشفنا أنك تستخدم المكون الإضافي adblocking في متصفحك.
تُستخدم الإيرادات التي نحققها من الإعلانات لإدارة هذا الموقع ، ونطلب منك إدراج موقعنا في القائمة البيضاء في المكون الإضافي لحظر الإعلانات.